٢٠٠٦/١٢/٠٣

الرق المعاصر



قرون طويلة من العذاب والنضال البشري للقضاء على العبودية والرق تكللت بإقرار اتفاقيات دولية وسن تشريعات وقوانين لحماية الإنسان من العبودية بجميع أشكالها .. مما ساهم باندثارها بصورتها التقليدية .. لكن أتضح بعد ذلك أن خلال النصف الثاني من القرن المنصرم .. انتشرت العبودية بصور وأشكال جديدة وإن كانت ماتزال موجودة بشكلها التقليدي حتى اليوم ببعض الدول .. مما حدا بالجهود الإنسانية التطوعية والرسمية على حد السواء بتكثيف جهودها للقضاء على العبودية بأشكالها وصورها الحديثة .. والتي تعرف ب "الرق المعاصر" ..0
تعريف الرق .. وأشكال الرق المعاصر ..0
لو عدنا للاتفاقية الخاصة بالرق والتي وقعت في سبتمبر 1926 وعدلت في ديسمبر 1953 .. سنجد تعريفاً للرق وتجارته بمادتها الأولى والتي تنص على أن : 0
الرق .. هو حالة أو وضع أي شخص تمارس عليه السلطات الناجمة عن حق الملكية .. كلها أو بعضها ..0
تجارة الرقيق .. تشمل جميع الأفعال التي ينطوي عليها أسر شخص ما أو احتيازه أو التخلي عنه للغير على قصد تحويله إلى رقيق .. وجميع الأفعال التي ينطوي عليها احتياز رقيق ما بغية بيعه أو مبادلته وجميع أفعال التخلي .. بيعا أو مبادلة عن رقيق تم احتيازه على قصد بيعه أو مبادلته .. وكذلك .. عموما .. أي اتجار بالأرقاء أو نقل لهم ..0

ولم يخرج الرق المعاصر عن هذا التعريف .. رغم تطور صوره وأشكاله ومن أبرزها : 0
الاتجار بالبشر .. 0
يجوب النخاسون المعاصرون المدن والقرى الفقيرة في أفريقيا و أمريكا اللاتينية وآسيا وأوروبا الشرقية لتوفير جميع متطلبات زبائنهم المستعدين دوماً لشراء الأطفال أو النساء أو ذكور في مقتبل العمر .. لاستغلالهم في أعمال السخرة * و الخدمة بالمنازل و التسول وترويج المخدرات و المشاركة في الحروب والصراعات المسلحة .. وأيضاً في تجارة الأعضاء البشرية والاستغلال الجنسي المنظم .. المنتشر بشكل مرعب نظراً لازدهار أسواق الدعارة .. وتزايد الطلب فيها على الأطفال والفتيات الصغيرات أكثر من النساء الراشدات لعدة أسباب .. أهمها إمكانية استغلالهن لفترة زمنية أطول .. ولشيوع اعتقاد ببعض الأقاليم عن إمكانية تجنب الإصابة بمرض الايدز وعلاجه من خلال معاشرة عذراء صغيرة !! 0
ورغم انتشار هذه الأشكال من التجارة البشرية في معظم دول العالم .. إلا أن هناك طلب خاص لبعض دول الخليج العربي بهذا السوق المزدهر .. يحرص النخاسون المعاصرون على توفيره من دول عرفت بفقرها الشديد وسوء أوضاعها المعيشية مما يسهل عليهم شراء الأطفال دون التاسعة من ذويهم العاجزين عن إطعامهم .. مع تقديم وعود سرابية من النخاسين بتوفير طعام وأوضاع معيشية أفضل لأبنائهم .. لكن المؤلم أن أسيادهم بالخليج .. يستخدمونهم كراكبي هجن بالسباقات .. ويحرصون على تجويعهم لإبقاء أوزانهم منخفضة .. فضلاً عن تعرضهم المستمر للضرب خلال التدريب وتعرضهم أيضاً لإصابات خطيرة كالكسور والكدمات .. نتيجة لسقوطهم من الهجن ..0
صورة بشعة من صور السخرة * .. وجريمة بحق الطفولة والإنسانية .. بأن يعرض طفل دون التاسعة للتغريب والتهجير من كنف والديه وحنانهم ويحرم من التعليم والرعاية الصحية اللازمة لسلامة نموه .. ويضرب ويجوع ويتعرض للرعب والخوف الشديد خلال ركوب الهجن .. ليحظى سيده وحده بالمتعة والمال والجوائز القيمة .. ولا عزاء للعبد الصغير !! 0
ويعمد النخاسون المعاصرون على إتباع عدة طرق لتوفير متطلبات سوق الرقيق النشط .. من خلال الخطف أو الخداع عن طريق تقديم وعود بتوفير فرص عمل محترمة و بعد وصولهم يجدون أنفسهم مجبرين على العمل بالبغاء .. 0
التبني الكاذب .. 0
وهي إقدام بعض الأشخاص بتبني أطفال أيتام بهدف استغلالهم لتنفيذ أعمال شاقة من دون مقابل مادي .. وهي صورة أخرى من صور السخرة* .. 0
عبودية الدين .. 0
وهي اضطرار شخص مدين لبيع جهوده دون مقابل منصف لسداد دينه .. 0
عبودية العمل .. 0
وهي قيام العامل بأعمال فوق طاقته بمقابل مادي غير منصف .. ولساعات طويلة بدون أجر إضافي .. أو يوم للراحة .. بالإضافة لتعرضه لانتهاكات إنسانية أخرى من إيذاء جسدي وإهانات وتقييد للحرية .. 0
وبعد تعرفنا على مصطلح الرق والاسترقاق .. وتسليط الضوء على أشكاله المعاصرة .. أردت الإشارة إلى أن اهتمامي بالإنسان .. وحقه بالحياة الكريمة والحرية الكاملة بتقرير مصيره ليست السبب الوحيد لطرحي موضوع الرق المعاصر بهذا الوقت بالذات .. وإنما لاستهجاني على الإعلام الكويتي الميت بشقية المرئي والمكتوب لإهماله الكامل لليوم العالمي للقضاء على الرق والذي يقام ب 2 من ديسمبر من كل عام .. والسعي لتوعية المواطنين و المطالبة الجادة من الحكومة بتنفيذ وعودها ضد ممارسات الرق المعاصر بالكويت .. والذي صنفت بسببه ضمن الفئة الثالثة والتي تعتبر الأدنى .. ضمن تقرير الاتجار بالأشخاص بالعالم .. في الوقت الذي سعت قطر المصنفة أيضاً ضمن الفئة الثالثة .. على بذل جهود جادة لتحسين أوضاعها .. مما ساهم بارتقاء تصنيفها للفئة الثانية .. وأيضاً اعتراف الحكومة الموريتانية بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على الرق .. بوجود العبودية بصورتها التقليدية والمعاصرة حتى اليوم بموريتانيا بعد إنكارها دوماً لوجودها .. وزجها لكل صحفي أو ناشط بحقوق الإنسان يتطرق للعبودية بالسجن .. وأعلنت تشكيل لجنة للقضاء على مظاهر الرق بموريتانيا .. 0
ولكن لو تساءلنا عن إمكانية كسر قيود الرق المعاصر .. من خلال الجهود الدولية المحلقة بجناحيها الرسمي والتطوعي نحو الحرية ؟ فيجب علينا أولا الرجوع لأساس المشكلة .. وهي العبودية التقليدية .. ونبحث في أسباب نشوءها .. سنجد أنها نشأت لدوافع اقتصادية واجتماعية .. والتطور الاقتصادي الحالي وانعكاسه على الحياة الاجتماعية سيحمل في طياته تجديد للعبودية في أشكال وصور أخرى تحددها الأوضاع الاقتصادية والظروف الاجتماعية والوعي المرتبط بحقوق الإنسان .. ولذلك فهي قابلة للتجدد والظهور بأنماط متغيرة .. طالماً الفقر والجهل باقيان وحقوق الإنسان تنتهك .. ولذلك يجب علينا مجارات تجددها والسعي للحد من انتشارها وانتهاكاتها من خلال تقديم الضمانات والتأمينات الاجتماعية للقائمين بهذه الأعمال والحرص على تحديث التشريعات والقوانين للمحافظة على هذه الضمانات .. 0
----------------
السخرة : كلفه عملاً لا يريده بلا أجر وقهره وتسلّط عليه .. 0


9 Comments:

Blogger Mozart said...

بداية اشكر الزميله هيفاء على موضوعها الرائع و مجهودها الواضح في تنويرنا بهذه المعلومات المثريه عن العبوديه. و نحن كليبراليين تهمنا مواضيع حقوق الانسان التي ما زالت تنتهك في ارجاء العالم ,و دولتنا بالطبع لها نصيب لا بأس به من هذه الانتهاكات فلا داعي لان اسهب بالكلام عن قضيه البدون او عن كيفيه معامله بعض المواطنين للخدم , لكن لكل مقام مقال و لكل حادث حديث

:) تحياتي

--

٤/١٢/٠٦ ٠٠:٤٧  
Blogger Arfana said...

excellent post!!!

we should start some kind of campaign against the "Neo-Slavery"

٤/١٢/٠٦ ١٧:٠٧  
Blogger blacklight said...

شكرا زميلتنا هيفاء على هذا المجهود والمعلومات القيمه.هذه دعوه لنا ولقرّائنا الكرام للتفكير بكيفية التعامل الأمثل مع الخدم او العمال ونحترم إنسانيتهم وحقوقهم البشريه. هذا الشخص الفقير لم يختر الفقر ولكن قسوة الحياة اجبرته على ذلك لنخفف عنه تلك القسوه بالكلام والمعامله الحسن.لدي مسؤول بريطاني بالعمل قام يوما بإنصاف عامل"هندي" تعرض للضرب والمهانه من قبل موظف أمن "مصري" كم كرهت نفسي يومها وقلت لماذا لايوجد عندنا حس العداله والمساواة الموجود عند الغرب نحن فقط ندعي اننا خير أمه اخرجت للناس فهل نحن كذلك؟!

٥/١٢/٠٦ ٠٨:٣٢  
Blogger nanonano said...

ماني قادره أعبر عن مدى أعجابي بموضوعج هيفاء....شكرا جزيلا

٥/١٢/٠٦ ١٠:٣٤  
Blogger شرقاوي said...

يعطيك العافية،

ظاهرة عتق العبيد عند الحضارات السابقة موجودة، من قبل الإسلام.

و الإسلام لم يحرم الرق، لكنه أتى ببعض آليات العتق.

لم يحاول المسلمون، خلال خلافاتهم و ممالكهم، عبر التاريخ،من احتواء هذه الظاهرة، و تقليصها. بل زادت.


وانقطعت أسواق النخاسة سنة 1965 بشكل رسمي في منطقتنا. و

لكن هذه الخطوة، لم تقطع من عقولنا فكرة الرق. و طالما هناك من لا يرى حرج في فكرة ملك اليمين، ستكون هناك حاجة، و سوق. تحت مسميات أخرى.

و عساكم عالقوة...

٨/١٢/٠٦ ٢٣:٤١  
Blogger Kasik Ya Watan said...

الأخت هيفاء

موضوع ممتاز ... عساكِ على القوة

أتفق مع عزيزي شرقاوي ... مشكلتنا إننا ما نقرأ التاريخ صح ... وإذا قريناه بسرعة ننسى ... وهذه اللي مستغلينه الإسلامويون

كما أود أن أضيف بأنه من منا ليس عبد سواء لفكرة أو إعتقاد أو غيرها من أمور ... لا وبدون مقابل بعد ... حتى مو الأربعين دينار ... وفي الغالب ندغع فلوس علشان عبوديتنا

... وكاسك

١٠/١٢/٠٦ ٠٠:٤١  
Blogger ARTFUL said...

على فكرة اليوم .. يصادف اليوم العالمي لحقوق الانسان .. (:

ARTFUL

١٠/١٢/٠٦ ٠٩:٤٥  
Blogger حنطفيس said...

موضوع جميل وينم عن احساس عالي من الانسانيه

كالعاده ابدعت هيفاء

١٠/١٢/٠٦ ١٩:٣١  
Blogger Unknown said...

عمال النظافة خير دليل

١٢/١٢/٠٦ ٠٠:٤٣  

إرسال تعليق

<< Home