٢٠١١/٠١/٠٩

المستقبل الفكري للأجيال الكويتيه القادمه

مقدمه
أود أن أوضح انني مؤمن ايمانا تاما بالحريات العامه بكل المجالات سواء كانت سياسيه ؛ فكريه ؛ اجتماعيه أو غيرها . إنطلاقا من هذا المبدأ أتخذ مواقفي وأقول آرائي . لا ادعي انني أملك الحقيقه المطلقه وأكره أن اظهر بصورة المتفلسف الذي يهرف بما لا يعرف . عقلي يعارض تماما ما يفرضه المجتمع العربي من ثوابت وعادات ليس لأني أجد المعارضه تنفيسا أو ترفيها بل لأن تلك الثوابت والعادات ليست سوى موروثا فكريا لا يتناسب مع تنشئتي الفكريه التي علمتني أن المنطق والحقيقه هما مفاهيم نسبيه لن تصل الى مرحلة الكمال مهما حاولت محاكاته. تلك المفاهيم لن تصل الى الناس عن طريق ثوابت وعادات متوارثه بل عن طريق قيم فكريه قياسيه تراعي وتحترم عقولهم .أن البيئه الفكريه التي أتكلم عنها في هذا المقال هي بيئه محليه كويتيه بحته نشهد تلوثها يوما بعد يوم دون حراك . ما سأذكره بالسطور القادمه هو فحوى واقع أتعايش معه وليس دراسه موثقه بالأرقام والحقائق فأتمنى قدر الإمكان أن يفكر قارئي الكريم بالفكره التي سأستعرضها قبل أن يستنكرها ويربطها بالواقع كما يراه هو .

القضيه الأولى هل زاد التطور الإنفتاح في زمن تكنولوجيا الإتصالات أم زادت الرجعيه والإنغلاق؟
في أكثر من مكان ومناسبه يفاجئني الكويتيون الذين يكونون بالأربعينات أو بداية الخمسينات من العمر بمقدار الإنفتاح الفكري الذي يملكون على الرغم انهم جيل لم يفتح عينيه على تطور تكنولوجيا الإتصال من انترنت وقنوات فضائيه وغيرها مقارنة بالأجيال اللاحقه . وبالمناسبه عدم تشبث العديد منهم بتكنولوجيا الإتصال لا يعني بالضروره انهم متخلفين أو غير متطورين عنها فالإهتمام بالشيء من وجهة نظري الشخصيه لدرجة تصنيفه كهوايه نظاميه يبدأ عاده من المراهقه أو بداية العشرينات . نعم هناك العديد لاهم لهم سوى اتباع أحدث الصرعات لذلك نجد هوايتهم تجدد سنويا مع تجدد تلك الصرعات وبالمناسبه هذه الفئه التي كانت شاذه سابقا هي الفئه السائده اليوم من شباب الجيل الحالي الذين بدلا من أن يستغلوا التكنولوجيا بالإبداع الفكري استغلوها في نشر التفاهه والسطحيه .أبسط مثال على ذلك انظروا الى آراء واهتمامات الشباب الكويتي في الشبكات الإجتماعيه الإنترنتيه مثل برامج "فيس بوك" و "تويتر" وغيرها تجدونها أما ؛ سطحيه محورها صرعه (هبه) تافهه جديده ؛محليه قح كنقاش آخر الاحداث السياسيه أو سمجه أصوليه مثل "سبام" الأدعيه والمواعظ الدينيه الذي ينشره البعض بإختصار أحس غالبا أنه لا يوجد وراء هذه الآراء أو الأفكار عقول مميزه تتمتع بالإستقلاليه. كانت للجيل السابق اراده ورؤيه فرض فيها حريته الفكريه والإجتماعيه رغم انه عاش بظروف أشد انغلاقيه خلال فترة مراهقته فالإعلام والتعليم على وقتهم كان ومازال خاضعا للسيطره الأصوليه ولم تكن هناك بدائل اعلاميه أخرى مثل الإنترنت والفضائيات رغم ذلك لم تستسلم ارادة هؤلاء لتلك الظروف ووقفوا بوجه كل العقبات على أرضيه ثابته قوامها مبادئ فكريه صحيحه لا تجامل ولا تعرف التنازل . هؤلاء كانوا يدركون انهم شباب ويمثلون الشباب لذلك كان كفاحهم يهدف أن يسترجعوا الحريه التي تمتع بها آباؤهم سابقا واغتصبتها الغمامه الإسلاميه بشقيها الإخواني والوهابي المستوردتين من الخارج لاحقا.

القضيه الثانيه لماذا يهمل المثقفين والإعلاميين الحريات وقضاياها على الرغم انهم أحوج الناس اليها ؟.
من مظاهر الخنوع الإجتماعي للتيار الإسلاموقبلي اختفاء الأصوات المطالبه بالحريات الإجتماعيه من ممثلي الجهات والمؤسسات التي يفترض ان تكون الحريه الشخصيه من مقوماتها.لسوء حظي شاهدت قبل فتره مقابله في تلفزيون محلي اثارت غثياني لن أذكر اسم المحطه أو البرنامج لأني لا أحب ان يوجه نقدي للأشخاص بل لأفكارهم . كل ما أستطيع قوله ان حضور المقابله كان دكتوره مظهرها وتاريخها لهما علاقه بالحريات ؛مخلوقه تحمل شهادة الدكتوراه تنتمي الى زمن يثرب بن يشجب تستحق ان تعيش في كهف كي لا يصيبها هي واسرتها ما تراه انحلالا ومقدمة برامج لا علاقة لها لا فكريا ولا ثقافيا بالإعلام .لم اتفجأ لا بالمقدمه ولا بالمخلوقه الأخرى تفاجأت صراحه من الدكتوره المثقفه التي عودتنا سابقا بالتسعينات على التمرد والجرأه بإسم الحريه كيف قلت حدة طرحها وتنازلت عن فكرها كي لا تصبح شاذه امام الشذوذ الحقيقي الذي ان لم تنصاع له فأنها لن تسلم من ألسنة الهمج الذين ابتلى فيهم الإعلام المرئي والمسموع. فعلا وضع الحريات والمثقفين محرج بالبلد رابطة أدباء تساند الرقابه على الكتب ؛ كتاب الجرائد الليبراليين ينعدون على الأصابع وأعمارهم لا تقل عن الخمسين ؛ الإعلام أصبح إعلاما محجبا منقبا يصلي ويصوم يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر والمثقفين استنزفوا طاقتهم بالتنظير الهدام بين أنفسهم بدلا من ان يستغلوها في نشر تنويرهم الفكري.

القضيه الثالثه ماهو المستقبل الفكري للاجيال الكويتيه القادمه؟
حين نتكلم عن المستقبل هناك واقع مخيف علينا الإعتراف فيه وهو أن العالم باكلمه يعيش تدهورا شاملا في كل المجالات على الرغم ان عجلة التطور مستمره في الدوران . ان البشرية رغم أنها تتغير بدرجات متباينه يوما بعد يوم لكنها تبقى بالنهايه متجهة الى الهلاك ببطئ .هذا شيء طبيعي سواء اخذناه من وجهة النظر الدينيه التي تتنبأ بهلاك معين قبل الآخره أو القواعد الكونيه التي تتحكم بكل العوالم بما فيها عالمنا الأرضي بكل مكوناته العضويه والغير عضويه تلك القواعد هي اتزان كوني قد يكون قاسيا أحيانا خصوصا حين يصل الى مرحلة الإباده الجماعيه التي نراها في الحروب والكوارث الطبيعيه .من أهم القواعد الكونيه قاعده البقاء والتنافس كي يبقى الأفضل والأصلح مسيطرا متحكما . تلك القاعده هي سبب الفساد والماديه المستشريان بالعالم ككل . زمن العطاء البشري النبيل قد ولى وهذه ازمه اخلاقيه لا توجد أي منظومه قادره على حلها سواء كانت عقائديه أو أيدولوجيه .حين نتحدث عن الحاله المثاليه في عالم سلمي بلا حروب نجد أن البشر يزدادون والموارد الأرضيه تقل هناك أقوياء يستغلون هذه المعادله الطبيعيه لزيادة قوتهم ونفوذهم . جودة السلع ؛ الخدمات ؛ الإعلام ؛ الفكر ؛ التعليم ؛ السكن وكل شيء مرتبط بجسد وعقل الإنسان يخضع للسيطره الشامله لهؤلاء الأقوياء الذين هم بدورهم أيضا يتنافسون على البقاء . كلمة المسيح تعني المخلص ولهواة أفلام وروايات
حقبة نهاية العالم نجد غالبا تصورا أدبيا لبطل يخلص البشريه من عذابها المحتوم هذا التصور الأدبي للبطل مستوحى من فكرة مسيح الديانه المسيحيه النبي عيسى الذي يعتبر نموذجا دينيا يعبر عن الخلاص الموعود للبشر من عذابهم المحتوم. الأدب ؛ الدين ؛العلم والكون حتى وان اختلفوا بالتفاصيل إلا انهم اتفقوا على نفس النهايه . كي لا اطيل اكثر بهذه النقطه الفلسفيه أكتفي بالقول أن هذه الأجيال بما أنها مقبله على أوقات متعسره حياتيا مقارنة فينا اذن نتوقع ان استمرت مجتمعاتنا على ماهي عليه فكريا ستصبح هذه الأجيال أجيالا أصوليه بإمتياز تنتظر خلاصها من عذاب الدنيا . الكهنوتيه والأصوليه ينتشران مع الفقر هذه حقيقه ثابته . هناك بعض من يعارضني ويقول ان الاصوليه تنتشر اليوم بإسم البترودولار لذلك ستختفي حين يختفي أرد عليه وأقول حين يختفي البترودولار فإن شعوب البترودولار ستعيش متطلعه ليوم فنائها فهذا الفناء هو الخلاص بنظرها فالمبالغه بالتدين الى حد الكهونتيه الذي نراه ينتشر بين الاهل والأصدقاء ليس سوى اداة تحث الإنسان على ازدراء الحياة وتقليل اهميتها .
ختاما
ان هذه دعوه صريحه للتفكير بغرس قيم بناءه حضاريه لأبناء الجيل القادم ليدركوا أن البشريه على الرغم انها فانيه ومتجه الى الهلاك إلا ان وجودنا فيها هو نعمه يجب أن نوظفها في تقديم الأفضل والانبل بغض النظر عن وضعنا الإقتصادي الذي لن يدوم رخيا كما هو .ان الأصوليه ليست سوى تحنيطا جسديا وفكريا للإنسان تدفعه للتطلع الى لحظة فناءه مستغلة أن تحقيق السعاده هو امر صعب ويزداد صعوبة يوما بعد يوم.واجبنا كتنويريين ان نأخذ بيد هذه الأجيال ونشجعها بكل ما اوتينا من مقدره على التمدن الحضاري كي تكون فكريا مؤهله لتتحمل كل الصعوبات والعقبات القادمه .