٢٠١٠/١٠/١٨

زمن الهمج

مضت فتره منذ كتبت آخر موضوع بشكل اضطراري مؤسف لأني كنت ولازلت مقتنعا أن ما نعانيه اليوم من انحدار انساني هو شأن لن يصطلح بفقرة مقال أو كلام ندوه بل بأفعال ومبادرات جاده مهما صغر حجمها أوامكاناتها.

تمر السنوات ويزداد خلالها الإنسان العربي تطرفا وتعصبا لن ينتهي حتى يصل لأقصى درجات اللامنطق ويصبح مسخا شاذا عن اقرانه باقي شعوب الأرض يدافع بكل استماته عن ما يظنه مبادئا وقيما وهم في الحقيقه ليسوا سوى همجيه فكريه يرثها عن آبائه ويورثها لأبنائه. العداله الفكريه بين أفراد المجتمع ليست بالعمليه السهله إطلاقا حتى بأكثر المجتمعات رقيا وتحضرا فما بالكم بمجتمعاتنا التي تظن انها تستطيع التمسك بموروثها البالي المتهالك وتحرف التحضر والتمدن كما تريد ظنا منها أنه يشترى بالمال .


لن أذهب بعيدا وساتكلم عن بلدي الكويت وكيف يتصور شعبه ان المدنيه والديموقراطيه ادوات ماديه ممكن ان يستخدمها الأصولي ؛ الطبقي ؛ القبلي ؛ الفؤوي ؛ الطائفي وغيرها من التصنيفات والفئات الشاذه إنسانيا التي نصبوا أصحابها علينا نوابا مشرعين لقوانين أمتنا .

كيف تستوي مدنيه في مناخ ثيوقراطي يقمع الإنفتاح والعلمانيه ؟
كيف تستوي ديموقراطيه بلا أحزاب ؛حقوق أقليات ؛ عمل سياسي منظم ؛ حكومه منتخبه وغيرها من مقومات العمل الديموقراطي الحقيقي ؟
الديموقراطيه الكاذبه والمدنيه المحرفه قد يكونان أسوأ من الديكتاتوريه الصريحه .
اذا استطعنا ان نحل معضلة المدنيه والديموقراطيه لنطالب حينئذ بالحريات سواء إعلاميه ؛ ثقافيه أو سياسيه وغيرها .

لست متشائما ولا منهزما لكني ببساطه لست من النوع الذي يحب ان يضيع وقته وجهده للتصدي للقشور بحثا عن البطولات الورقيه تلك تركناها لأصحاب النفاق السياسي الذين يخشون من مواجهة لب المشكله ليظفروا بإنتصارات شخصيه مؤقته. هذا الكلام ينطبق على المنافقين الذين يلقبون أنفسهم بالنشطاء السياسيين وعرابيين الإصلاح والفلاح نراهم بالأمس في هذه التجمعات يهتفون للحريه وغدا يرفعون أعداءها على الاكتاف لإلتقاء المصالح السياسيه .
ليس تعصبا مني لأيدولوجيتي الفكريه لكن مخطأ من يظن أن السياسيه منفصله عن الفكر فالفكر لا ينتشر ولا يخلد إلا بالسياسه وما نراه من تحضر في العالم ليس سوى فكرا صقلته وخلدته السياسه على صورة تشريع وقانون حضاري .
وما نراه اليوم من مشاكل سياسيه سواء بالتنفيذ أو التشريع ليس سوى نتيجة تشريعات لادستوريه لا مدنيه طفت بسبب نفاق وتخاذل من يدعون الإنفتاح والتحرر .

هنيئا للناشطين السياسيين الجدد مثقفي الشيشه وكرة القدم هذه الاجواء الرجعيه عيشوها وتمتعوا بكل لحظاتها لكن رجاءا بلا " تحلطم". هذه اليوتوبيا التي كنتم تنشدون قمع إعلامي وثقافي واجتماعي حين اعترضنا سابقا وحذرنا من هذه العواقب قلتم لنا لا "نبيها خمس" ؛ "المال العام" ؛ " الإصلاح الرياضي" ؛ "الفساد" ؛ " ارحل نستحق الأفضل" ومن يدري ماهي الموضه القادمه والأهم من ماهيتها من سيستفيد منها كما يستفيد اليوم من هذه الاجواء التيار الإسلاموقبلي.

ختاما
حين
يأتي لك من يشهد له تاريخه الأسود بالأصوليه القمعيه ويتكلم عن الحريات.

ويأتي لك من تفوح منه رائحة البعير النتنه بسبب قبليته القبيحه ويتكلم عن العنصريه.
ويأتي لك من شبع فسادا وافسادا يتكلم عن المعارضه والمال العام.
وياتي لك من يهذي ويولول عن الشيوخ وعودة زمن الفداويه وهو ليس سوى فداوي تجار.
فأعلم انك تعيش زمن الهمج
.
هامش:
الألم الذي يصيبنا عند سماعنا خبر وفاة أحد المبدعين سببه ليس فقط فراقهم فالسنون تمضي تأخذ معها الجميع بلا استثناء سواء كانوا أعداء أم اصدقاء ؛ سفهاء أم أعزاء؛ مبدعين أو تافهين. المؤلم فعلا مواجهة واقعنا المزري وهو أن هؤلاء سيرحلون ولا ولن يوجد صف ثاني يسد الفراغ الذي سيتركونه السبب ليس لأن الإبداع أو التميز قد ماتوا بل لأن المجتمع الصحراوي الهمجي الذي ابتلينا فيه اليوم هو ليس مجتمع امس المتحضر الذي أعطى هؤلاء مساحة التميز والإبداع التي سطعوا من خلالها.
من يتجرأ اليوم في ظل الغزو الفكري ؛ الإجتماعي والسياسي للتيار الإسلاموقبلي أن ينتقد قضايا موروثنا البالي مثل تعدد الزوجات او سيطرة الأهل على حياة الابناء كما فعل الراحل غانم الصالح وغيره من كبار فناني الزمن الجميل الذي لن يعود .لو هوجم يوميا مخرجي وكتاب الماضي تحت ذرائع الإنغلاق الهمجي مثل إثارة الفتنه وتشويه صورة المجتمع الكويتي المحافظ وإعلام فاسد وغيرها كما يفعل اليوم دخلاء التحضر والتمدن بالمعاصرين لما اصبح لدينا فن كويتي نفتخر فيه .