زيارتي لمعرض الكتاب
في يوم الأربعاء الموافق 23/11/2005 .. أي قبل عام كامل .. زرت معرض الكتاب الثلاثون .. وكان لتلك الزيارة وقع سيئ جداً على نفسي .. فعلاقتي بالكتاب علاقة خاصة ..0
مازلت أذكر بداياتي حين كنت بالعاشرة مع روايات أجاثا كريستي .. وكيف قضيت أجمل سنين صباي بين رفوف المكتبات .. وكيف ساهم الكتاب بتشكيل ملامح شخصيتي في صباي ورشدي .. بعد هذا كله وأكثر .. رأيته في المعرض يغتال .. كانت بالفعل مجزرة .. مجزرة للكتاب والعقل والانسان ..0
عدت من المجزرة ليلتها بحالة سيئة .. صداع وغثيان لايحتمل .. لم يرحمني منهما إلا النوم .. وما إن أفقت في صباح الخميس واغتسلت حتى وجدت نفسي أجلس أمام الكمبيوتر.. وأدون ما رأيته بزيارتي البائسة لمعرض الكتاب الثلاثون ..0
ما جعلني أعيد نشر تفاصيل زيارتي للمعرض السابق .. هي رغبتي بعمل مقارنة بين المعرضين .. ماذا بعد عام كامل ؟ هل إزداد عدد الضحايا و أشتدت قبضة الرقيب ؟ أم هناك تحسن وإن كان طفيفاً ؟ أم مازال الوضع كما هو عليه ؟
سأزور المعرض لأجيب بنفسي على هذه التساؤلات رغم افتقاري للتفائل وسأدون تفاصيل زيارتي وملاحظاتي ..0
زيارتي لمعرض الكتاب
أسير في مكان رغم الضجيج ميت .. رغم الزحام فارغ .. قواطع بيضاء تحوي طاولة كبيرة ورفوف مملوءة بمجموعات ورقية معنونة .. يقال أنها كتب .. ولكنها كذب .. لاتستحق أن تنال هذا اللقب .. فهي لاتستحق حتى ثمن الحبر الذي طبعت فيه ..0
إذا وجدت أحد القواطع مزحومة واقتربت تجد صاحبها ملتحي له عينا عواد برد الحادة الوقحة المتلاحقة النظرات .. والتي تريد أن تشاهد كل ما أمامها بكل تفاصيله وانطباعات الحضور وتعابيرهم بثانية واحدة.. ومزيدا من المجلدات السميكة الزيتية والحمراء المعنونة بخط مذهب.. الخالية من الإبداع والقيمة والتجديد والإبتكار حتى في غلافها المكرر.. مجرد حشو .. أحسست بغضب حين لاح في خاطري أنهم يريدون جعلنا كهذه الكتب متشابهين بالشكل .. نكرر نفس الكلام .. بدون إبداع .. فقط نكرر مقولات مشايخ لا أعرف من نصبهم أولياء ..0
وفجأة ابتسمت .. وتداركت ضحكة كانت ستضج بالمكان .. حين أحسست أن هذة الكتب الزيتية والحمراء المتراصة بين القواطع تشبة صينية محشي ورق عنب وطماطم .. التي تجيد تحضيرها أم ممدوح المصرية طباخة جدتي .. كلها زيتية وحمراء ومحشوة .. وطابخها كأم ممدوح المتناقضة سليطة اللسان ماسحة الجوخ .. أعتقد بأني توصلت لهذا التشبية من كثرة ماوقعت عيناي على كتب للطبخ التي تملأ واجهات القواطع ..0
استمريت بالتجول لاشيء ملفت لاشيء يستحق .. مررت بمكتبتي المفضلة .. رأيت فراس(اسم فرضي لحماية صاحبة) صاحبها سلمت علية وسألته عن بعض الكتب .. همس لي بزيادة الرقابة هذا العام بشكل مضجر .. وأنا أومئ برأسي اشاطرة الرأي فمارأيته خلال جولتي مهلك للنفس العاشقة للحرية والإبداع .. مازال مسترسلا بحديثه وشكواه وأنا أسمع صوت سوط الرقابة وهي تجلد جسد الإبداع والفكر والحرية يضج باذني .. أفقت على وعده بتوفير ماطلبت .. ضحك قائلاً .. لكن في المكتبة ياهيفا وليس هنا .. انتظرك بعد المعرض مباشرة .. شكرته بكلمتين وابتسامة .. وأكملت تجولي بالمقبرة بين الأموات .. أبحث عن دار الساقي .. والمؤسسة العربية للنشر ..0
رائحة الأموات تسيطر على المكان .. وتصيبني بالغثيان .. ولكني مازلت على أمل بأن أجد أحياء بانتظاري بدار الساقي والعربية .. وصلت أخيرا لدار الساقي .. لاحظت قلة الكتب منذ الوهلة الأولى رغم كثرة مطبوعاتهم .. بجولة صغيرة على الكتب المعروضة التي قد قرأت معظمها .. أخذت فسوق لعبده الخال .. وجروح الذاكرة لتركي الحمد التي سبق وأن اقتنيتها واستولت عليها صديقة عزيزة قبل أن أتمها... والبقية ممنـــــــــــــــــــوع.. طلبت من البائع اللبناني الذي كان يتحدث مع كويتي أربعيني أظنه وكيلا موزعا لإصدارات الدار بالكويت .. كتيب الإصدارات .. فتح الكتيب واطلعني على بعض الإصدارات الممنوعة .. لم أنتبه لها كلها فقط لريح الجنة لتركي الحمد أما البقية فلا .. لسرعة تصفحه ولقدوم رجل يرتدي بدلة رسمية معه فتاة بالعشرين لهجته العراقية واضحة سلم علية الكويتي بحرارة وعرفه العراقي بالفتاة على أنها شاعرة ..0
التفت للبائع اللبناني وأنهيت حديثه الذي لم أسمع منه شيء .. وقلت له على عجل سأقتنيها بعد المعرض .. فأنا متابعه لآخر الإصدارات عن طريق موقع نيل وفرات .. والمكتبة توفرها لي .. ابتسم قال إذن تعرفين فراس .. واعجبته فكرتي بمتابعة الجديد وكيفية اقتنائه ..0
أكملت سيري .. بحثا عن هدفي الآخر المؤسسة العربية .. عادت رائحة الأموات تستبيح المكان دون منازع .. وفجأة رأيت منظرا .. ربما هو عادي لكن ما لاح في خاطري لحظتها لم يكن عاديا .. ثلاثة رجال بعقدهم الرابع .. عراض البنية مائلين للقصر .. لهم لحى كثه ويرتدون ثياب قصار .. وغتر من غير عقال .. يسيرون بمنتصف الممر على نمط " يا أرض اتهدي ماعليكيش قدي " .. المنظر كما أسبقت عادي ومتكرر .. لكن قلت لنفسي أين شاهدت هذا المشهد ؟؟ امممممم ينقصهم رجل شرطة هزيل البنية يتبعهم .. ويصبحون صورة من هيئة الأمر بالمعروف السعودية .. وبنظرة سريعة على الصورة العامة وحالة المعرض المزرية .. قلت كم سنة باقية وسنرى جميعا هذا المشهد ؟؟ ولست أنا فقط بخيالي .. أكملت طريقي وآنا أتمتم بأني سأهاجر لو حدث ذلك ..0
لاحظت كثرة الأطفال مع ذويهم .. شيء جميل .. خاصة بوجود 8 الى 10 قواطع متخصصة للطفل تتوسطها كافتيريا أي كلام .. ويطلقون عليها قرية طفل !! ونلاحظ بوضوح أن جميع الأطفال يحملون كراريس تلوين فقط !!!0
رأيت سيدة مع ابنتها المحجبة التي تبلغ العاشرة وهي تشتري لها كراسة للتلوين .. تحاول الأم ثني الفتاة السمينة المتشبثة بالكراس الكبير لتقنعها بشراء آخر أقل ثمنا .. ولكنها مصره على ما اختارت مبررة وجود الوان معه ..0
قسم السعودية سيء .. كتب كلها عن الملك وتوحيد المملكة وأفضال آل سعود عليها .. قسم كبير .. كتب قليلة جدا .. وحوالي 10 بائعين غارقين بالأحاديث الشخصية والسوالف .. من نظرة واحدة تحس أن ما ينقصهم هو رؤوس شيشة .. تلفزيون60 بوصة يعرض قناة نجوم أو الجزيرة الرياضية ..0
أخيرا وصلت للمؤسسة العربية .. من فضلك أريد مدن الملح لعبد الرحمن المنيف .. ابتسم البائع الكهل اللطيف قائلا ممنوعة .. قصة حب مجوسية .. رد بنفس الجواب .. ممنوعة ..0
عادت رائحة الموت تنبعث من جديد .. وتزداد عند سؤالي عن كتب للقمني .. لكن دون جدوى .. رأيت قسم المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب .. شكله الخارجي يختلف عن البقية .. يقع بالمنتصف .. وله شكل بيت كويتي تراثي قديم .. فكرت أن أذهب وأطلب منهم الإهتمام بالموقع الإلكتروني المخزي للمجلس .. لكني تراجعت بعد أن رأيت الموظفات الأربع وكأنهن باجتماع لشاي الضحى .. أكملت مسيري والغثيان يزداد مع زيادة إنتشار الرائحة .. فجأة رأيت أحد المطاوعة الثلاثة يتحدث مع رجل في الثلاثين .. مرتب جدا يتكلم معه بإهتمام وهو يحاول الإتصال بهاتفه .. سمعت حديثهم لحظة مروري وصعقت !! المطوع كان يبلغ عن أحد الكتب الممنوعة .. والرجل الآخر يحاول إرضاءه وهو يقول " يمكن المفتشين مامروهم .. بس يمرونهم أكيد أكيد " ... لم أحتمل ما سمعت .. وعاد صوت سياط الرقابة وهي تضرب جسد الحرية والإبداع بعنف... زاد الغثيان .. زاد .. زاد .. فقررت المغادرة بسرعة قبل أن أجن ..0
ملاحظة : لن أقوم بمراجعة ماكتبت .. لم أطق .. فاعذروني على أي خطأ ..0