Before I go
قرائي الكرام قبل الرحيل هناك امانه علي تأديتها فتحملوني.
حضرت اليوم الثاني لندوة "التنوير ارث المستقبل" يوم الثلاثاء الماضي بتاريخ 16/12/2008 وحبيت ان اشارك الزملاء تحليلي الفكري للماده الثقافيه التي ناقشها المحاضرين المتميزين .
الذي سأسرده هو فهمي الخاص لوجهات نظر المحاضرين وهذا قطعا لا يعني انهما يوافقاني بهذا التحليل أوالإستنتاج .
أولا د.توفيق السيف "النموذج التنويري السعودي" :
عرف التنوير على انه مجموعة المعارف الثقافيه بكل المجالات كالعلوم , الإقتصاد , الأدب .
التنوير بالدول العربيه يسير ببطئ شديد والسعوديه هي الابطأ بينهم لهذه الاسباب :
- بطأ النقله الحداثيه الإجتماعيه بسبب التقاليد والعادات التي يعتبر المجتمع السعودي من أشد المجتمعات العربيه محافظه عليها.
- الجمود الفكري أو بالأصح الأحاديه الفكريه من النواحي الدينيه , الإجتماعيه والفلسفيه .
نبذه تاريخيه عن التنوير بالسعوديه :
- أول مظهر من مظاهر التنوير كان تدشين التعليم العام بالمملكه قبل 100 سنه . بمعنى آخر التعليم كمظهر تنويري حديث بالعمر بالمجتمع السعودي.
- ترتب على النقطه الاولى تأخر المملكه ثقافيا عن الدول المجاوره لأن مظاهر التنوير الأخرى ان وجدت فهي حديثه بالعمر وتاخذ وقتا طويلا جدا كي تبرز.
- ثاني مظهر من مظاهر التنوير بالسعوديه كان تأسيس المجال الصحافي بالخمسينات الذي كان حكوميا خالصا.
- الستينات والسبعينات الدوله السعوديه الحديثه التي كانت قائمه على الحكم الدكتاتوري وقمع الحريات السياسيه والإجتماعيه . الجدير بالذكر أن التيارات الدينيه بتلك الحقبه كانت اداة تستخدمها الحكومه لفرض السيطره والهيمنه السياسيه .
- علاقة الحكومه بالتيار الديني بدأت بالتوتر أثر أحداث حرب تحرير الكويت عام 91 التي كانت سببا لوصول الإنسان الأمريكي لجزيرة العرب وبداية علاقه سياسيه قويه جدا بين الحكومه السعوديه والإداره الأمريكيه .تلك العلاقه أثرت تأثيرا بالغا على علاقة الحكومه بالقيادات السلفيه الإسلاميه وبناء عليه بدأ السلف بالتمرد على الحكومه سياسيا لأنها بنظرهم تتعامل مع عدو ديني كافر.
- انقسم التيار السلفي السعودي بتلك الحقبه بين مؤيد للحكومه ومعارض وأدى ذلك الى التقليل من حدة الهيمنه الثيوقراطيه .
- 2003 بدأ التنوير رسميا بالمملكه وكان يمثله أفراد نشطين سياسيا بينهم ليبراليين وأشباه ليبراليين وطنيين ومعارضين تصب مطالبتهم ببحر الإصلاح السياسي والإداري للبلد . قابل تلك المبادره ليونه ومرونه غير معهوده للنظام السعودي الحاكم . مع ملاحظة أن الحكومه السعوديه لازالت ضد الليبراليه الإجتماعيه ومع الليبراليه الإقتصاديه .
ملاحظتي على هذه النبذه التاريخيه :
لأنني لم اصل الى سن الرشد والوعي السياسي إلا عند النقطه رقم "8" لذلك سأعقب عليها:
السبب الذي قفز د.توفيق بنا الى العام 2003 واصفا اياه بالبدايه الفعليه للتنوير السعودي هو بكل بساطه أحداث الحادي عشر من سبتمبر او بالأصح ما قد ترتب عليها والتي اتوقع أن ضيفنا الكريم فضل عدم التطرق لها لحساسيتها الشديده.في 11/9 هوجمت الولايات المتحده سواء كان ذلك مؤامره أو هجوم فعلي ليست القضيه بل القضيه هي أنه بناء على تلك الأحداث بدأت الحرب العالميه على الإرهاب الإسلامي والتي هي بمعنى آخر حرب على الكيان السياسي والإجتماعي السعودي بحكم أنه البيئه الخصبه لهذا الإرهاب . يبادر للأذهان جماعة أسود الجزيره الثوريه واكاد أجزم انه لوما الحرب على الإرهاب ووثوب الحكومه السعوديه وباقي حكومات الخليج بأحضان الإداره الأمريكيه وانصياعها لتوجهاتها لكان الوضع السياسي والأمني بالسعوديه وكل دول الخليج مغايرا تماما للحاله المستقره التي نعيشها اليوم .تلك التوجهات قد أجبرت هذه الدول المنغلقه على دعم المتنورين أو على الأقل عدم الوقوف بوجههم وهذا ما يفسر حالة المرونه والليونه التي وصفها د.توفيق .
ممثلي التنوير السعودي وهنا أفضل تلقيبه بالتنوير السياسي لأن بعض هؤلاء الذين سنذكر لا علاقة لهم بالتنوير الفكري أو الثقافي أو الإجتماعي :
- معارضي الحكومه من ليبراليين , أشباه ليبراليين , وطنيين .
- متمردي التيارات السلفيه والجدير بالذكر أن هؤلاء يؤمنون بالديمقراطيه وهذا يناقض أبجديات الفكر السلفي القائم على الشورى السياسيه .عموما د.توفيق لم يتعامل مع "حدس" الكويتيه (اللإخوان المسلمين) التي اكاد أجزم انها ينطبق عليها هذا التعريف تماما فهي متناقضه سياسيا بين التحالف مع الحكومه أو معارضتها وتريد ادوات المجتمع المدني كالنظام الديمقراطي والحريه السياسيه التنظيميه كي تبسط نفوذها وتنتشر .
- البيروقراطيون وهنا يقصد الباحث كل من يريد التنوير كي تسلك مصالحه كالعاملين بالمجال الصحفي عندما يطالبون بإلغاء الرقابه .
قضايا وأولويات التنوير السعودي :
- المؤسسات الدينيه واستحواذها الكلي على ادوات الدوله من إعلام , تعليم , مرافق .....الخ .
- الحريات العامه المقموعه بالدوله السعوديه .
- الشفافيه والإصلاح السياسي لمؤسسات البلد ومراكز صنع القرار.
- ايقاف عزلة المجتمع السعودي عن المنظومه الدوليه ومحاولة محاكاة العولمه .
الإشكلات او العقبات :
- الصراع بين السياسه العقلانيه أو المنطقيه مع الدين .
- طبيعة مجتمع العادات والتقاليد المنغلق.
- رفض النظام للديمقراطيه .
- الأسلمه التي انتشرت بكل صغيره وكبيره بأدولت المجتمع المدني .
- الغاء العقل وأنا أفضل تسميتها إلغاء الفرديه والتميز وهيمنة النص الديني وسلطتة الأئمه والفقهاء .
- ثيوقراطية الدوله المتمثله بمذهب ديني متطرف جدا وهو المذهب الوهابي الذي هو نسخه حديثه للمذهب الحنبلي.
عيوب الحركه التنويريه بالسعوديه :
- تنتقد بلا بناء أو اقتراحات ومشاريع فكريه .
- تكرر نفس القضايا .
- مرتبطه بالسياسه دائما رغم انه يجب أن تكون مفصوله عنها .
- بيروقراطيه تكاد يصل لمرحلة تقديس القانون والغاء الفكر الحر النقاشي.
هامش إلا حجابي عفوا إلا دستوري :P.
انطباعي عن د. توفيق السيف كمحاضر
محاور ذكي جدا وقد تجنب الكلمات التي تجعل المواطن العربي والمسلم يطلق شررا من عينه مثل "العلمانيه" , و "الليبراليه" . رغم أنه يصف نفسه أنه ليس علمانيا لكني اجزم أنه علماني دون ان يعي ذلك ففكره السياسي علماني وان كان على استحياء فهو يعترف أن الإسلام السياسي مشكله لكنه لسبب معروف مسبقا يرفض تبني العلمانيه كنهج سياسي.
انطباعي عن الوضع التنويري السعودي :
لديهم مثل مشاكلنا تماما ومثل من يدعي حلها والتعامل معها الفرق أننا شعبا وحكومة ننافق ونكابر وندعي الكمال وأننا أفضل حالا لكننا بالواقع لسنا كذلك.
ثانيا الأب الروحي للجيل الاول من ليبراليي الشبكه الليبراليه الكويتيه وصاحب المدرسه الفكريه التي افتخر بالإنتساب لها
د. احمد البغدادي "التنوير بالكويت غاية لن تدرك" :
كما كان متوقعا د.أحمد انسان صريح يؤمن بالنقد الذاتي بلا زركشه ولف ودوران وان كانت هناك مشكله فهو سيضع عليها يده ولو كانت داخل عش دبابير.
بدأ د.أحمد فقرته بهذه العباره "نحن لسنا تنويريين أو تحديثيين بل متنورين"
عرف د.أحمد التنور على انه التعامل مع عناصر التنوير .
واستدرك عارضا أدله تدعم ادعاءه:
- غرست فينا جرائم فكريه كالإستبداد بالرأي , عدم المساواة بين الجنسين , عدم احترام العقود والمواثيق الدوليه كحقوق الإنسان وغيرها من الشؤون .
- عقل الإنسان العربي المسلم = دين + عادات وتقاليد .
ملاحظه على الهامش:لعل وصف الصديق موزارت لهذا العقل بالنظام الباينري 0/1 بإحدى مقالاته لأصدق مثال على ذلك فالناس بمجتمعاتنا يحركها هاجس الحلال والحرام ويمنعها من التفكير الإبداعي .
- أينما ذهبنا ونظرنا نرى امامنا أسلمه , الإعلام , الوثائق الرسميه , الزواج , المدارس والمعاهد , المؤسسه . أي انها هويه مفروضه قسرا على الجميع طالما أنهم حملوا الجنسيه الكويتيه حتى ان قرروا ترك الإسلام وتحولوا لدين آخر أو ألحدوا .
- كعرب نحن مقيدين ومكبلين بأغلال فكريه دينيا واستبداديه سياسيا .
- التعددبه الفكريه الغربيه لن ترى النور بمجتمعاتنا العربيه والإسلاميه .
- مجتمعاتنا تائهه فكريا ومنافقه بلا منهجيه .
- نحن نستورد مظاهر التنوير الغربيه كالتكنولوجيا الحديثه لكننا لسنا سوى مستهلكين سيئيين نستغلها استغلالا خاطئا لم ولن يحقق أي فائده تنويريه لأننا نريد الماديات التنويريه وليست الشؤون الوجدانيه كالعقليه الإنفتاحيه.
- بلا علمانيه ومع الغائها تماما من قاموسنا نظل بعيدين كل البعد عن التنوير .
- التعدديه ممكنه بمجتمعاتنا لكن الحداثه والتحديث مستحيلان , تفسيري الخاص يقصد الدكتور هنا أنه رغم وجود تعدديه بالمنهجيات الفكريه بالكويت إلا أنها لن تكون قادره على التغيير التحديثي.
مسيرة الكويت مع التنوير الفكري :
- الكويتييون تاريخيا من معركة الجهراء رفضوا الفكر الوهابي الذي يريد فرض الوصايه الدينيه على حياتهم الخاصه وهذه تعتبر اول معارضه ثقافيه لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الإسلامي .
- الكويت عريقه فنيا من رسم واغاني وموسيقى وغيرها من الإبداعات الفنيه الجميله التي كانت تميز الكويت وشعبها عن شقيقاتها دول الخليج.
- الثلاثينات لم يصل الشعب لمرحلة التنوير بسبب تركيزه الشديد على القوانين . هنا الدكتور لم يعطي تفاصيل لكني بناء على قياسي الشخصي للامور أكاد أجزم أن تلك الحقبه والعقليه التي سادت بذلك الزمن هي سبب فقدان ليبراليين الكويت التركيز الفكري والمنهجي الى يومنا هذا. حقبة المجلس التأسيسي المذكوره بمذكرات خالد العدساني أعتبرها شخصيا بداية انحراف مزعج للمسيره الليبراليه الكويتيه ودخولها بنفق المعارضه الحكوميه الجوفاء ولاحظوا معي التشابه الكبير بين مقياس الوطنيه التي كان يستخدمه العدساني بمذكرته ومقياس الوطنيه الحالي التي تستخدمه التيارات التي تلقب نفسها ب"القوى الوطنيه الكويتيه".
- الكويتيون كانوا اجتماعيا فاصلين بين الدين والحياة.
- رغم أن مظاهر التنوير الموجوده لم يصل المجتمع الى مرحلة التنوير .
- كويت الستينات التي كانت مثالا على التنور الثقافي .
- الستينات عندما استقلت الكويت وتحولت الى دوله كانت لابد أن تصبح علمانيه ان كانت ستقام على مقاييس مدنيه حديثه معترف فيها دوليا لكن المجتمع يريدها دينيا قسرا .
- لذلك جاء الدستور متناقضا خصوصا بمادته الثانيه . الدستور خلط الحداثه بالدين و قانون الاحوال الشخصيه وقمع حريتي البحث العلمي دينيا هما خير دليل على ذلك.الماده الثانيه لازالت حتى اليوم سبب العديد من المشاكل بكل المجالات من سياسه , اقتصاد واجتماع وغيرها.
- لن يكون هناك تنوير بالكويت إلا ان تم إلغاء الماده الثانيه من الدستور.
- التنور بلا تنوير مثل المصباح الذي يتوهج إلا أن يحترق ويفقد توهجه وبريقه .
- الدين ضد الحداثه البشريه :فالحدود الشرعيه تناقض حقوق الإنسان ,الحريه الإعلاميه والفكريه مقيده خصوصا عندما يتعلق الامر بالشخصيات الدينيه فعلى سبيل المثال وليس الحصر كل صحابي له ذات مقدسه قانونيه .
- التنوير حاله مستعصيه بالكويت لأننا لسنا ليبراليين وعلمانيين بل مقيديين بهويه دينيه نراعي مشاعرها على حساب اولويات فكرنا الأيدولوجي .
انطباعي عن د.احمد البغدادي كمحاضر
رغم ان د.أحمد لم يعرف لنا التنوير واكتفى بقول أن العلمانيه هي التنوير لكن ما استشفيت من كلامه أن التنوير الذي يقصد هو التنوير من المفهوم الغربي الأصلي يعرف على أنه التحليل الفكري القائم على عقلانيه ومنطقيه ذات أسس ثقافيه سواء كانت علميه او ادبيه بغض النظر عن الغيبيات الدينيه . طبعا هذه أبجديات مقومات العلمانيه الفكريه التي تثبت من هو فعلا علماني فكريا ومن هو هلام فكريا كالحمقى الذين يدعون أن الإسلام دين علماني لأنهم يريدون فقط فرض مبدأ العلمانيه كأداة سياسيه قافزين بكل وقاحه على نهجها الفكري والإنساني هؤلاء مشكلتهم أنهم إسلاميين قلبا وكيانا يريدون قسرا ارتداء الثوب العلماني الضيق عليهم لأنهم مصابون بتخمه سببها التخلف الديني ,الإنغلاق الإجتماعي والتعصب القومي .ردا على اتهامات بعض الحاضرين للدكتور احمد بالتشاؤم بطرحه أقول لهم التالي:
"أستاذي العظيم أن منهجك الفكري هو التنوير الذي نصبو اليه وسخرنا بسبيله كل الوقت والجهد . ومن يظن أنني اجامل ليعلم اني انا بلاك لايت لا توجد كلمة مجامله بقاموسي وكل من يقرأ كتاباتي يشهد لي بذلك أنا افخر بأحمد البغدادي ليس لشهادته او مكانته الإجتماعيه بل لعقله الرائع الذي كان ولازال مصدر الهام لا ينضب"
ختاما:
كلمة الحق تقال أحداث هذا الملتقى صادفت للأسف مع قراري بإعتزال التدوين بشكل مؤقت , رغم ذلك لم استطع منع نفسي من القدوم شخصيا واتمام مسؤوليتي الفكريه التي أهديها بكل حب ومعزه لكل من تحمل مشقة وعناء اقامة ملتقى رائع كهذا. لكم أقول أن شمعة الحرية لن تنطفئ طالما كانت هناك عزيمه تقف بوجه رياح الظلام التي تعصف بها. سيتوقف قلمي التدويني لأجل غير مسمى كما ذكرت بمقالي السابق آسف على الإطاله قرائي وزملائي الكرام فكما قلت ببداية المقال هي أمانه يجب ان أسلمها قبل الرحيل .
تحياتي القلبيه.