تفنيد مصطلح التطرف الليبرالي البليد
نسمع كثيرا مصطلح التطرف العلماني أو الليبرالي يتكرر على مسامعنا سواء من الأصوليين أو الهلاميين لذلك قررت اليوم تخصيص مقال كامل يفند هذا الوصف الذي ليس سوى تدليس ومحاولة دس سم بالعسل مكشوفه.
مصطلح التطرف الليبرالي بحد ذاته مصطلح متناقض فكيف لأيدولوجيه أساسها نبذ التطرف أن تكون متطرفه ؟نفس الشيء ينطبق على المصطلح المتناقض الثاني "الأصوليه العلمانيه" كلمة أصوليه نفسها تعريفا ومعنى تعني بكل اختصار "التزام شمولي تام " وهذا المنطق ينطبق تماما على أصحاب الاديان فالدين قائم على النقل وأساساته ثابته لا مجال لنقاشها وتغيرها .كيف يسمى العلماني اصوليا وهو يريد ان يلغي الاصوليه السياسيه ؟ هذا تناقض كبير فالأصوليه تعني أيضا العوده الى الجذور والأصل فكيف للعلمانيه أو الليبراليه وكلاهما يدعو للتجديد والتغيير أن يلقبا بالأصوليه ؟ هل يوجد فقيه أو مفتي او مرشد يمثل العلمانيين ؟
في الحقيقه ما دفعني لكتابة هذا المقال هو النهج التدليسي الذي يعتمده الكتاب العرب والقوميين فهم أول من اطلق صفات الأصوليه والتطرف على العلمانيه وشجعوا أنصاف المثقفين وأنصاف الكتاب على ترديدها كالبغبغاوات دون وعي. وعلى سبيل المثال وليس الحصر مقالة فهمي هويدي (صاحب مصطلح الأصوليه العلمانيه) الأخيره تتكلم عن الاوضاع السياسيه التركيه , فلماذا توريط العلمانيه ووصفها بالتطرف ؟ هل تركيا وحدها علمانيه ؟ هل العلمانيه تركية المنشأ ونحن لا ندري ؟ ما تفعله تركيا بإسم العلمانيه يمثل تركيا فقط وليس بالضروره يمثل الأيدولوجيه العلمانيه التي نراها باليابان وبريطانيا وألمانيا وغيرها من الكيانات المتحضره , وبالمناسبه ان كنا سنرى النموذج السياسي التركي الذي قد عانى الامرين بسبب لعنة الإسلام السياسي على أنه متطرف علمانيا بسبب قانون منع الحجاب بالجامعات أنا أرى ان النموذج الخليجي متطرف وهمجي أصوليا بسبب فرض الحجاب اجتماعيا واستحقار من لا ترتديه . رغم أن الحجاب وارتداءه من عدمه ليس مؤشرا على العلمانيه ولكن للأسف بسبب هذا النهج المضلل الذي قد تكرر مثل الإسطوانه المشروخه سيظل رجل الشارع العربي مؤمنا بهذه المعادله :
علمانيه=تركيا + منع الحجاب + اضطهاد الإسلام
. ليس فقط فهمي هويدي هناك الكثير من الكتاب العرب بسبب رواسب القوميه العربيه العفنه نجد ان خطابهم يصف الليبراليه والعلمانيه بالتطرف والغاء الآخر بسبب حقدهم على النظام العالمي ظنا منهم أنه يدعم الصهيونيه ودولة اسرائيل وعقدة المؤامره الكبرى والكيان الصهيوني الخ من هذه الخزعبلات آن الأوان لها تفنى فنحن ب2008 ولسنا ب1973 توجد امور اهم وأولويات اكبر من اسرائيل ومشاعر الحقد والكراهيه القوميه والدينيه.
ونرجع لمحور موضوعنا , يرى البعض أن الأصوليه تعني ادعاء الحقيقه المطلقه وامتلاك الحلول السحريه لكل المشاكل وهذا الأمر يتهم فيه الليبراليين عموما و العرب منهم خصوصا . حقيقه أنا لا أمثل الليبرالين العرب ولست سفيرا للفكر العلماني أو الليبرالي لكني كفرد اؤمن بهذه الأيدولوجيات اجد نفسي بموضع المنتقد للمنظومه الإسلاميه الحاليه وأسعى لتغييرها فكريا كي تصبح منظومه مدنيه حضاريه , الذي أعتمد عليه بمطالبي هي النماذج المتحضره الآخرى وهذه فطره بشريه فالمرء يقتدي بمن كان أفضل منه كي يطور نفسه ويصلحها .مع التذكير أنه لا توجد بالعالم منظومه حضاريه مطلقه بلا عيوب فحتى الدول الأوربيه على سبيل المثال فيها عيوب لكن هذا لا ينفي الحقيقه والواقع أنها هي بالصداره وكل دول العالم الثالث تسعى للإقتداء بها والإستفاه منها .
قد يقول البعض لماذا لا نأخذ فكرهم ونطبقه بإطار إسلامي الرد بكل بساطه المنظومه الإسلاميه والمنظومه المدنيه كالماء والزيت لا يختلطان فإما هذه و إما تلك ونماذج التوازن لن تخلق سوى منظومه مشوهه منافقه وهذه نراها اليوم ونتعايش معها . فالمنظومه المدنيه قائمه على المنطق والإستدلال العقلاني أما المنظومه الإسلاميه فلأنها دينيه هي قائمه على الإيمان الغيبي وفيها العديد من الشبهات التاريخيه والروائيه التي أدت لإختلافات عقادئيه ومذاهب يطالب كل منها أن يتم فرض مرجعيته هو .
السؤال يطرح نفسه لماذا الدين ؟ هل نحن نسيء للدين ان ركزنا على حياتنا الحديثه لذلك نشعر بالذنب ونود أن يشاركنا فيها ؟ بمعنى آخر نحن بتنا نعامل الدين كمخلوق حي يحس ويتضرر من تصرفاتنا والدليل على ذلك ردود الفعل المتطرفه التي تصف كل الآراء الغير مقبوله دينيا بالإساءه و الإهانه له والرغبه العارمه بالإقتصاص من أصحابها والإنتقام منهم .أوليس هذا التطرف بام عينه قرائي الكرام ؟
نرجع الى التطرف ماهو التطرف ؟ التطرف بإختصار شديد هو سلوكيات عدوانيه غالبا ناتجه عن افكار متحيزه مع مراعاة أن التحيز الفكري أو بالرأي مختلف تماما عن التطرف .الغريب بالموضوع ان الأنشطه الليبراليه والعلمانيه بمنظوماتنا القمعيه ليست سوى أفكار مبعثره ثقافيا سواء بالصحف أو المنتديات والمنابر المتواضعه بينما نرى الجماعات الإسلاميه تحصل على الدعم المادي الحكومي وتحصل على مساحات عقاريه وتصاريح قانونيه لنشر فكرها الأيدولوجي .
أليس المتطرف من يبيح قتل أخيه الإنسان ؟ أليس المتطرف من يريد أن تترجم آرائه واجتهاداته الى قوانين تسيطر على حياة الناس (الهيئه بالسعوديه – لظس بالكويت ) , يلقبوننا بالإقصائيين والمتطرفين لأننا لا نتقبل ألإسلاميين ؟ نعم نحن لا نتقبل الإسلاميين فكريا اما شخصيا فنحن لم نقم بتحليل دمهم أو اتهامهم بالإنحلال الأخلاقي وغيرها من الإتهامات كما هم يفعلون بنا على مرأى ومسمع الهلاميين والمنافقين الذين عندما يدعون الحياد لا يختلفون عن الغانيه عندما تتدعي الشرف .
يستند معارضي النهج العلماني سواء كانوا أصوليين او هلاميين على الوضع الإجتماعي الحالي الداعم الداعم للفكر الديني الاصولي وسطوة الوعاظ والأئمه .فبنظرهم العلماني أو الليبرالي لأنه رافض اجتماعي قائم من سنين طويله ويحاول تغييره يعتبر متطرفا .ولعمري أن هذه لهي الأصوليه بأم عينها .الأصوليه أن تلغي غيرك المختلف عنك .ذهابك بنفسك انت اللاغي متهما اياه وهو الطرف الملغي والمقصى بأصولية أنت مرتبكها وصاحبا ليست سوى تطبيق للمثل " ضربني وبكى سبقني واشتكى " وقد تقنع بعض الحمقى بمنطقك لكنك تعلم أنك أنت الأصولي بالحقيقه .
وهذا بالضبط ما يحدث للليبراليين عندما يقوم أشباه الكتاب وأشباه المثقفين بمعارضتهم وتشتيتهم بدافع الخنوع والخضوع لسطوة المجتمع الديني ووصايته . كيف نتهم افرادا بالتطرف والغلو بينما هم في الحقيقه هم ضحيته ؟
ولكي نضع النقاط على الحروف نستطيع الجزم أن معظم الهلاميين الذين يتهمون العلمانيين والليبراليين بالتطرف يعانون من التشتت الفكري , تجدهم برمضان وغيرها من المناسبات الدينيه يقفون جنبا الى جنب مع الأصوليين يشدون من ازرهم ظنا منهم أنهم يمارسون نوعا من العباده والإلتزام الديني . لكن عندما تحدث كوارث سياسيه واجتماعيه سببها الفكر الديني المتزمت سواء تمثل بالطائفيه او القمع الرقابي والتطاول على الحريات العامه تجد هؤلاء يناجون الليبراليين قائلين ما "أحوجنا لدوله مدنيه" .
رغم المشاكل المرتبطه بالنموذج الديني والإنتهاكات الإنسانيه يظل محل احترام هؤلاء وفوق ذلك يرونه النموذج الاخلاقي المثالي رغم ان الاخلاق كما أسلفنا وأسلف غيرنا لا هوية دينيه لها بل إنسانيه.
مشكلة هؤلاء أنهم لا يعرفون ماذا يريدون كذلك هم غير مستوعبين انه لا وجود لوتيره ثابته بالحياة . فعلى سبيل المثال وليس الحصر مفهوم الحريات العامه التي تعاديه الجماعات الدينيه تحت ذريعة الثوابت والدين الحنيف سينقرض. ولا اجد أفضل من مثال الكويت ولنقارن كويت الثمانينات وأوائل التسعينات بكويت اليوم , الفرق كبير وواضح أن منحنى الحريات العامه قد انحدر وهو آخذ بالإنحدار لن يتوقف إلا ان حدثت نتيجه كارثيه كتغيير الماده الثانيه وانشاء هيئة النهي عن المنكر والأمر بالمعروف.
ختاما:لا يوجد شيء ثابت فالتغيير قادم سواء بوجهه الأصولي او وجهه التحديثي , سكوتنا اليوم علامة رضا لما تفعله القوى الأصوليه فهل نحن قادرين على التغيير وتسجيل موقف تاريخي وان باءت محاولتنا بالفشل ؟